فصل: الإعراب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة المائدة: آية 95]

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيامًا لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (95)}.

.اللغة:

{حُرُمٌ}: جمع حرام. والحرام يستوي فيه المذكر والمؤنث.
تقول: هذا رجل حرام، وهذه امرأة حرام، فإذا قيل: محرم قيل للمرأة: محرمة، والإحرام هو الدخول فيه، يقال: أحرم القوم إذا دخلوا في الشهر الحرام أو في الحرم. فتأويل الكلام لا تقتلوا الصيد وأنتم محرمون بحج أو عمرة.
{عَدْلٍ}: مثل.
{وَبالَ} الوبال: بفتح الواو: المكروه والضرر الذي يناله في العاقبة من عمل سوء لثقله عليه، قال الراغب: الوابل: المطر الثقيل القطر، ولمراعاة الثقل قيل للأمر الذي يخاف ضرره: وبال، قال تعالى: {فذاقوا وبال أمرهم}. ويقال: طعام وبيل، وكلأ وبيل يخاف وباله، قال تعالى: {فأخذناه أخذا وبيلا}. واستوبلت الأرض: كرهتها خوفا من وبالها.

.الإعراب:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} كلام مستأنف مسوق للشروع في بيان ما تنطوي عليه كلمة الاعتداء في الآية السابقة.
ولا ناهية، وتقتلوا فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، والواو فاعل، والصيد مفعول به، وأنتم الواو حالية، وأنتم مبتدأ، وحرم خبره، والجملة حال من فاعل تقتلوا {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} الواو استئنافية، ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ خبره جملة الشرط والجواب، وقتله فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به، وهو في محل جزم فعل الشرط، ومنكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من فاعل قتل، ومتعمدا حال من فاعل قتل أيضا، أي: ذاكرا لإحرامه أو عالما أن ما يقتله مما يحرم عليه قتله، والتفاصيل في كتب الفقه. فجزاء: الفاء رابطة لجواب الشرط، وجزاء مبتدأ خبره محذوف، أي: فعليه جزاء، ويجوز العكس، أي: فالواجب عليه جزاء، والجملة في محل جزم جواب الشرط، ومثل صفة لجزاء، وما اسم موصول في محل جر بالإضافة لمثل، وجملة قتل صلة، ومن النعم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من مثل {يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بالِغَ الْكَعْبَةِ} جملة يحكم صفة ثانية لجزاء، وبه متعلقان بيحكم، وذوا فاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى، وعدل مضاف اليه، ومنكم متعلقان بمحذوف صفة لـ{ذوا}، وهديا حال من جزاء، أو منصوب على المصدرية، أي يهديه هديا، أو منصوب على التمييز، والأوجه الثلاثة متساوية الرّجحان، وبالغ الكعبة صفة لـ{هديا}، لأن الاضافة غير محضة، وهي لا تقيد تعريفا كما سيأتي في باب الفوائد {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيامًا} أو عاطفة، وكفارة عطف على جزاء، وطعام مساكين بدل من كفارة، وأو حرف عطف، وعدل عطف على كفارة، وذلك مضاف اليه، وصياما تمييز للعدل، كقولك: لي مثله رجلا {لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} اللام للتعليل، ويذوق فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، والجار والمجرور متعلقان بالاستقرار المستكن في الخبر، أي: عليه الجزاء ليذوق، ويجوز أن يتعلقا بطعام أو صيام ويجوز أن يتعلقا بـ{جزاء}، أي: فعليه أن يجازى ليذوق سوء عاقبة هتكه لحرمة الإحرام، وجملة عفا اللّه استئنافية أي: لم يؤاخذ بما سلف لكم من الصيد في حال الإحرام قبل أن يحرم، وعما جار ومجرور متعلقان بعفا وجملة سلف صلة الموصول، {وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ} الواو استئنافية، ومن أسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ، وعاد فعل ماض في محل جزم فعل الشرط، والفاء رابطه، وينتقم اللّه فعل مضارع وفاعل، والجملة في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، أي: فهو ينتقم اللّه منه، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط، وفعل الشرط وجوابه خبر «من»، ومنه متعلقان بينتقم، والواو استئنافية، واللّه مبتدأ، وعزيز خبر أول وذو انتقام خبر ثان.

.البلاغة:

الذوق في الآية استعارة مكنية تبعية، شبّه سوء العاقبة الناجمة عن هتك حرمة الإحرام بطعام مستوبل مستوخم يذوقه، فحذف المشبه وأبقى شيئا من خصائصه وهو الذوق، وقد تقدمت نظائرها.

.الفوائد:

الإضافة على ثلاثة أنواع:
1- نوع يفيد تعريف المضاف بالمضاف إليه إن كان معرفة، أو تخصيصه به إن كان نكرة، مثل كتاب علي، وكتاب تلميذ.
2- نوع يفيد تخصيص المضاف دون تعريفه. وضابطه أن يكون المضاف متوغّلا في الإبهام، كغير ومثل وشبه، وتسمى الإضافة في هذين النوعين محضة أو حقيقية، ومعنى قولهم: محضة أنها خالصة من تقدير الانفصال.
3- نوع لا يفيد شيئا من التعريف أو التخصيص، وهو أن يكون المضاف صفة تشبه الفعل المضارع في الدلالة على الحال أو الاستقبال، كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهه، وتوصف بها النكرة كالآية التي نحن بصددها فإنّ هديا نكرة منصوبة على الحال، وبالغ الكعبة صفتها، فمعنى {بالغ الكعبة} أن يذبح بالحرم ولا توصف النكرة بالمعرفة. ومن خصائصها أيضا أن تأتي حالا نحو: {ثاني عطفه}، فثاني حال كما سيأتي، والحال واجبة التنكير، ومنه قول أبي كبير الهذلي:
فأتت به حوش الفؤاد مبطّنا ** سهدا إذا ما نام ليل الهوجل

فحوش صفة مشبهة معناها حديد الفؤاد، وقد نصبت على الحال لأنها لم تكتسب معرفة ولا تخصيصا. ومن خصائصها أيضا دخول «ربّ» عليها، كقول جرير:
يا ربّ غابطنا لو كان يطلبكم ** لاقى مباعدة منكم وحرمانا

فأدخل «ربّ» على «غابطنا»، ولو كان معرفة لما صح ذلك، ولذلك سميت هذه الاضافة لفظية، لأنها أفادت أمرا لفظيا وهو حذف التنوين ونون التثنية والجمع، وهي أمور مردها إلى اللفظ وحده.
وهناك أبحاث أخرى تتعلق بالإضافة يرجع إليها في مظانها من الكتب النحوية.

.[سورة المائدة: آية 96]

{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)}.

.اللغة:

{وَلِلسَّيَّارَةِ} أي المسافرين. جمع سيار، وأنّث على معنى الرفقة والجماعة.

.الإعراب:

{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} أحل فعل ماض مبني للمجهول، ولكم متعلقان بأحلّ، وصيد البحر نائب فاعل، وطعامه عطف على «صيد»، ومتاعا مفعول لأجله، أي: لأجل تمتعكم، ويصح أن يكون مفعولا مطلقا، أي: متعكم تمتيعا. ولكم متعلقان بـ{متاعا}، وللسيارة عطف على {لكم}، والجملة مستأنفة، {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا} الواو عاطفة، وحرم فعل ماض مبني للمجهول، وعليكم متعلقان بحرّم، والجملة عطف على الجملة السابقة، وصيد البر نائب فاعل، ما دمتم فعل ماض ناقص و«ما» وما بعدها في محل نصب على الظرفية، والظرف متعلق بحرم، والتاء اسم ما دام، وحرما خبرها {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} الواو عاطفة، واتقوا اللّه فعل أمر ومفعول به، والذي نعت، واليه متعلقان بتحشرون، وتحشرون فعل مضارع مبني للمجهول، والواو نائب فاعل، وجملة تحشرون صلة الموصول.

.[سورة المائدة: الآيات 97- 98]

{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِيامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98)}.

.الإعراب:

{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِيامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ} كلام مستأنف مسوق لتوضيح الكعبة التي هي البيت الحرام. و{جعل}: لك أن تعتبرها بمعنى «صيّر»، وأن تعتبرها بمعنى «خلق». وجعل اللّه فعل وفاعل، والكعبة مفعول به، والبيت الحرام بدل من الكعبة، والفائدة من البدلية المديح، وقياما على الأول مفعول به ثان، وعلى الثاني حال من الكعبة، وهو من ذوات الواو، وقيل: قياما لكسرة القاف، وإنما هي في الأصل قواما وصواما. وللناس متعلقان بـ{قياما} أي: يقومون بقصدها بأمر معايشهم ومنافعهم. والشهر عطف على الكعبة، والحرام صفة، والهدي والقلائد عطف على الكعبة أيضا. {ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} الجملة مستأنفة، واسم الاشارة مبتدأ.
والاشارة إلى مجموع ما تقدم ذكره، ولتعلموا اللام لام التعليل، وتعلموا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر ذلك أي: ذلك الحكم هو الحق لا غيره، وقيل: ذلك في موضع خبر لمبتدأ محذوف، أي: الحكم الذي قررناه ذلك. ويجوز أن يكون اسم الاشارة منصوبا بفعل مقدّر، ولتعلموا متعلقان به، أي: شرعنا ذلك. والأوجه كلها متساوية الرجحان. وأن وما بعدها سدت مسد مفعولي تعلموا، وأن واسمها، وجملة يعلم خبرها، وما اسم موصول مفعول به، وفي السموات متعلقان بمحذوف صلة الموصول، وما في الأرض عطف على {ما في السموات} {وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} عطف على «أن» الأولى، وأن واسمها، وبكل شيء متعلقان بـ«عليم»، وعليم خبر أن {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} عطف على ما تقدم، وغفور رحيم خبران لأن.

.[سورة المائدة: الآيات 99- 100]

{ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (99) قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)}.

.اللغة:

{الْخَبِيثُ} ضد الطيب، والجمع خبث بضمتين، وخبثاء وأخباث وخبثة بفتحتين. وخبثت نفسه: ثقلت وغثّت. وللخاء والباء فاء وعينا للفعل خاصة عجيبة، وهي أنهما تدلان على التأثير والسرعة في الإخفاء، يقال: خبّ أي خدع وأفسد، ولا يخفى ما فيه من معنى التأثير في المخدوع وإفساده، والخبب ضرب من العدو والسير، وخبأ الشيء ستره وأخفاه، وخبر الشيء يخبر وخبرا، بضم الخاء، وخبرا بكسرها: علمه عن تجربة، وخبز الخبز عمله، وبخس فلانا حقه أي ظلمه وغشمه، وخبش الأشياء تناولها من هاهنا وهاهنا، وخبص الشيء بالشيء خلطه، وخبّص بالتشديد عمل الخبيصة أو الخبيص، أي: الحلواء المخبوصة، وخبطه خبطا أي: ضربه ضربا شديدا، وخبله وخبّله بالتشديد: أفسده، وخبن الثوب عطفه وخاطه، وخبن الشاعر أتى بالخبن في شعره، وهو حذف الثاني الساكن. وهذا من غريب أمر لغتنا الشريفة وخصائصها التي تنفرد بها.

.الإعراب:

{ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ} الكلام مستأنف مسوق للتشديد على إيجاب القيام بما أمر به، أي: لقد قامت عليكم الحجة، ولزمتكم الطاعة، فلا عذر لكم إذا تجاوزتم الحدود. وقد جرى هذا الكلام مجرى المثل، وسيأتي الحديث عنه مفصلا في باب البلاغة. وما نافية، وعلى الرسول جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، وإلا أداة حصر، والبلاغ مبتدأ مؤخر {وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ} الواو استئنافية، واللّه مبتدأ، وجملة يعلم خبر، وما اسم موصول مفعول تعلمون، وجملة تبدون صلة الموصول، وما تكتمون عطف على قوله ما تبدون {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} الجملة مستأنفة، وقل فعل أمر، وجملة لا يستوي الخبيث والطيب في محل نصب مقول القول، وهذه الجملة مما سارت مسير الأمثال أيضا {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} الواو حالية، ولو شرطية، وأعجبك فعل ماض ومفعول به، وكثرة الخبيث فاعل أعجبك، والجملة في محل نصب على الحال من فاعل لا يستوي، أي: لا يستويان حالة كونهما على كل حال، وجواب لو محذوف دل عليه ما قبله، أي: فلا يستويان {فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
الفاء الفصيحة، أي: إذا تبين لكم هذا فاتقوا اللّه، واتقوا اللّه فعل وفاعل ومفعول به، ويا حرف نداء، وأولي الألباب منادى مضاف، ولعلكم: لعل واسمها، وجملة تفلحون خبرها.

.البلاغة:

في الآية إرسال المثل، وهو عبارة عن أن يأتي المتكلم في بعض كلامه بما يجري مجرى المثل السائر من حكمة أو نعت أو غير ذلك، ومنه قول أبي الطيب المتنبي:
لأن حلمك حلم لا تكلفه ** ليس التكحل في العينين كالكحل

وقد اشتهر أبو الطيب بهذه الميزة حتى صارت مضرب المثل، قال:
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ** في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل

وسيأتي من أمثاله ما يذهل العقول، وحسبنا الآن أن نورد مختارات من قصيدة ابن زيدون:
ما على ظني بأس ** يجرح الدهر وياسو

ولقد ينجيك إغفا ** ل ويرديك احتراس

ولكم أجدى قعود ** ولكم أكدى التماس

وكذا الحكم إذا ما ** عزّ ناس ذلّ ناس

لا يكن عهدك وردا ** إن عهدي لك آس

فأدر ذكري كأسا ** ما امتطت كفّك كاس

واغتنم صفو الليالي ** إنما العيش اختلاس

2- الطباق بين {تبدون} و{تكتمون}.

.[سورة المائدة: الآيات 101- 102]

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (102)}.

.الإعراب:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} كلام مستأنف مسوق للنهي عن كثرة السؤال عن أمور لا تعنيهم، لأن التكليف بها مما يشق على النفوس. وفي ذلك من السموّ ما هو حريّ بالاتعاظ والتأدّب. ولا ناهية، وتسألوا فعل مضارع مجزوم بلا، والواو فاعل، وعن أشياء جار ومجرور متعلقان بتسألوا، وأشياء ممنوعة من الصرف، وسيأتي الحديث عنها مسهبا في باب الفوائد، وإن شرطية، وتبد فعل الشرط، وهو مبني للمجهول، ونائب الفاعل بعود على أشياء، ولكم متعلقان بـ{تبد}، وتسؤكم جواب الشرط، والكاف مفعول به، وجملة الشرط صفة لـ{أشياء} {وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} الواو عاطفة، وإن شرطية، وتسألوا فعل الشرط، وحين ظرف زمان متعلق بتسألوا، وجملة ينزل القرآن في محل جر بالإضافة، وتبد جواب الشرط، ولكم متعلقان بـ{تبد}.
{عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} جملة عفا اللّه عنها مستأنفة، مسوقة لبيان أن النهي عنها إنما جرى لاستقصائها وتعذر القيام بها على الوجه الأكمل، وقد عفا اللّه عنها. ويجوز أن تكون الجملة صفة ثانية لـ{أشياء}، والواو استئنافية، واللّه مبتدأ، وغفور خبر أول، وحليم خبر ثان. {قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ}.
الجملة إما مستأنفة وهو الأولى، ولك أن تجعلها نعتا ثانيا لـ{أشياء}، وسألها فعل ماض ومفعول به مقدم، والضمير يعود على {أشياء}، ولابد من تقدير مضاف، أي: سأل مثلها، باعتبارها مماثلة لها في المغبّة وجرّ الوبال. وقد أطالوا الكلام في عودة الضمير من غير فائدة. وقوم فاعل، ومن قبلكم متعلقان بمحذوف صفة قوم، وثم حرف عطف للترتيب مع التراخي، وأصبحوا فعل ماض ناقص، والواو اسمها، وبها جار ومجرور متعلقان بـ{كافرين} وكافرين خبر أصبحوا.